السبت، 29 ديسمبر 2012

روت لي الأيام



 
 
إضاءات:

اسم الكتاب: روت لي الأيام

المؤلف: املي نصر الله

عدد الصفحات:120 صفحة
 
الكاتبة في سطور:
 إملي نصر الله هي أديبة لبنانية ولدت عام 6 يوليو 1931 في قرية الكفير جنوب لبنان نشرت عددا من الروايات والمجموعات القصصية للأطفال وحصلت على جوائز عديدة منها جائزة الشّاعر سعيد عقل في لبنان وجائزة مجلّة فيروز وجائزة جبران خليل جبران من رابطة التّراث العربيّ في أستراليا وجائزة مؤسّسة(بالإنجليزية: IBBY) العالميّة لكتب الأولاد على رواية "يوميّات هرّ"
      تلقت تعليمها الجامعي في جامعة بيروت (حاليا أصبحت الجامعة الأمريكية في لبنان) وحصلت على شهادة الماجستير سنة 1958
      تزوجت من فيليب نصر الله وأنجبت أربعة أبناء: رمزي، مها، خليل ومنى.
      عملت كروائية، صحفية، كاتبة مستقلة، معلمة، محاضرة، ناشطة في حقوقِ المرأة.
      أول رواية لها نشرت عام 1962 (طيور أيلول) وحازت على 3 جوائز أدبيه.
      ترجمت العديد من رواياتها إلى الإنجليزية والفرنسية
 مؤلفاتها:
      طيور أيلول (رواية)
      شجرة الدفلى (رواية)
      الرهينة (رواية)
      تلك الذكريات (رواية)\(رواية)
      الجمر الغافي (رواية)
      روت لي الأيام (قصة قصيرة)
      الينبوع (قصة قصيرة)
      المرأة في 17 قصة (قصة قصيرة.
عرض الكتاب
لازلنا في بداية العمر نشق طريقنا في هذه  الحياة التي لن  نمضي فيها إلا ساعات، ويضمنا التراب فأمامنا مشوار لنتعلم ونتحدى ،ونفهم ما يجهل علينا لكن أليس هناك ما قد  يجعلنا نعيش أعمار آخرين ،وليس بعمر واحد ؟ونتعلم دون أن نجرب، نبتهج في جو لا وجود له في واقع حياتنا ,ونحزن ونذرف الدموع لأشياء لا نمت لها بصلة ،ففي تلك الكتب التي رفعت في رفوف آمنة ،وسطرها كتاب خلدهم فكرهم نجد من التجارب ما تغذي عقولنا ،وفي كل يوم تكشف لنا عن خبايا الحياة فهل مررت بكل المصاعب لأمتلك صفة الصبر؟ هل مررت بكل العواقب لأجد نفسي بكل هذه العزيمة والاصرار ؟هل انتابني كل أنواع الخوف لأكسره وأكون بكل هذه الشجاعة ؟نعم تلك الكتب لها بصمة في واقع حياتنا فكثير من الكتب التي تغرس فينا قيم جليلة دون ان نشعر ,بل إن كثير من الكتب التي نقرأها قد تحيي أمما ,وقد تدمر أمما اخرى فكتاب "روت لي الأيام " للكاتبة أملي نصر  مثالا لمجموعة قصصية تبث فيها قيم الحياة بلغة تجذب القارئ وتجعله يقف ما خلف السطور بحثا عن معانيها وأهدافها.
 فمن" حسون الغربة "تعلمنا  من بين سطورها أن الغربة داء  يكفي لقتل عصفور ليس فقط البشر ,وكم جميل هو الوفاء بالوعود نهتم لنفي بوعد لعصفورا فقصة الرجل الذي حمل معه الحسون قتلته الغربة وأقسم أن لا يدفنه إلا في أرض الوطن .إن كانت الغربة تفعل هذا بعصفور فما حال البشر الذين  غادروا التراب الذي ضمهم ولم يعودوا؟ ومن يحتمل بعد الأهل والأحباب؟ من الغربة وموت العصفور إلى فقدان العم جبران في قصة "الجبار" الاسم الذي ارتبط اسمه بالسفينة التايتنك ،العم جبران رحل بطموح لا حدود له ,ترك أمه لتعاني بعد رحيله على السفينة الضخمة التايتنك لم يدركوا أنه آخر يوم يرون فيه صاحب الصورة المعلقة على جدار المنزل  لسنين ،فقد غرقت السفينة بعد زمن من ابحارها بسبب اصطدامها بالجبل الجليدي الصلب حيث لم تفيد القاعات المحصنة من تسرب الماء  ولا ضخامتها, وحده العم جبران أبدى موقفا عظيما بنقل الأطفال إلى قوارب النجاة فقد حمل أكثر من ثلاثين شخصا  من بينهم نساء ورجال كان ماهرا في السباحة  وضحى بآخر مقعد له في قارب النجاة لشخص آخر. جميلة هذه الروح ،روح الإيثار التي قد لا نجد لها ريحا في حياتنا هذه التي صار لا يعلم فيها أحدا منا عن الآخر إلا عند وفاته ،وصارت صفة غشاها الغبار في قاموس الكثيرين أما عن الشجاعة فأي شجاعة تلك التي سنبحث عنها في هذا العالم المبعثر؟
بالنسبة لي أحلم أن نجد مدينة يعيش فيها فقط الأوفياء ،الشجعان وبالنسبة لتلك الفتاة في قصة "المدينة والحلم" حلمها مدينة بيروت بجمالها, ومبانيها ,وأشجار النخيل صور زرعتها في فكرها المعلمة من بيروت التي راحت ترسم لوحة لها بألوان متناسقة لا تكاد تنهيها في يوم واحد حتى يأتي اليوم الآخر لتكملها وبعد مضي سنوات عاشت الفتاة الحلم كما تمنت لكنها لم تدرك  بأن هناك من الحروب ما قد تقضي على ملامح مدينة تلونها بالأبيض والأسود صورة يرفضها الوجدان وتخالف الأفكار والصور التي تربت في عقل  تغذى بكل ملون .الحرب وما أدراكم ما الحرب, وقسوتها؟ تتمنى لو كان مشهدا تشاهده على خشبة المسرح ثم سيدل الستار على المدينة التي أخفيت ملامحها وسلبت حياتها ، إن الجيش نفسه الذي يخوض الحرب قد لا يدرك لم يخوض الحرب، فقط هو ينفذ ويسفك الدماء امتثالا لأوامر صدرت، لا يستطيع رفضها أو حتى مناقشتها، ألا تعتبر هذه من الطرافة أن تمشي ,وتخوض, وتصارع لهدف لا تدركه حتى ولربما لو ادركته لندمت وضاقت بك الدنيا؟ متى سيدرك العالم أن من حق كل مخلوق الحياة بسلام  ليس فقط البشر, بل حتى الحيوانات فمشهد الصياد في قصة "بكاء في غابة شمالية" حين أسقط برصاصته غزالا كان يلعب، ويمرح  كم كان فكره ضيقا هذا الصياد، لم يهتم إلا بقضاء وقته في ممارسة هواياته، وأي هواية هذه التي يحق له ممارستها  لتقضي على حياة مخلوقات لا حق له فيها، صراخ الغزال كصراخ الطفل جعل الصياد يدرك أنه ارتكب جرما في حق الحيوانات، والغابات، والحياة بكل مظاهرها.
نعم غزالا جعله يدرك وحشية نفسه، وهل نجد المتعة، وشعورنا بالنصر في تصويب رصاصة على كائن حي؟. هذا الصيد يختلف عن الصيد الذي أصابته الكاتبة في قصة "يد القانون" فهي رأت في الجزيرة التي زارتها تقيد المواطنين بالعدد المحدد لهم في صيد الاسماك، وانهم لن يشرعوا بالصيد إلا بعد إعطائهم اللون الأخضر الذي يعلن بدء موسم الصيد نعم هو القانون الذي يلزمهم بذلك، وقبل القانون فهم اصحاب ضمير، ومسؤولية لكن الكاتبة لم تصطد سمكا أو غزالا بل اصطادت مشهدا رائعا حين رأت عجوزا تقطع الشارع متجاوزة اشارات المرور سيرا لم يكن للقانون أن يسمح بمثل هذا ،هذا ما كانت تعتقده الكاتبة لولا أن أوضح لها أخيها بأن هذه العجوز  مريضة عقليا لذا يسمح القانون لمثل هؤلاء بالتجول، والكل يحترمهم هنا . هذا ما علمتنا إياه الأيام في قصة "يد القانون" فالقانون ليس في كل مكان، ولكنه الانسان المنضبط الذي يدرك معنى المسؤولية، ويلتزم حدود حريته الشخصية  . بعدها قصة "الطبيب المغربي" أخذتنا الأيام لنزور جو القرية التي تؤمن بالخرافة، والأساطير فهذا المغربي يزور القرية بين الحين، والآخر ليعالج أهل القرية بأدويته التي لا كنه لها، وهل كانت تشفي مرضهم كما يدعون أم هي القناعة بأن المغربي لديه الدواء المناسب فيشعرون بالتحسن بمجرد تناوله ،وظل لسنوات يطل على هذه القرية التي لا تحس بطعم التغيير إلا بقدوم الطبيب لكنه اختفى مع ظهور الطب الحديث. وفي "قصة تفرج يا سلام "نجد التاريخ مسجل  بكل تفاصيله في تلك التماثيل التي احتلت مساحة كبيرة في متحف السيد أوسكار نعم تماثيل تحكي انتصارات شعوب وآلام عصور، وكأن معظم التماثيل المنتصبة تطالب بالحب ،والرحمة وهي ما يبحث عنها الإنسان في عالم صار بذار الحب فيه شحيحا هذا ما تحكيه التماثيل في متحف أوسكار ولكن ما الذي يرويه تمثال ذلك الماعز  المنتصب فوق ربوة صغيرة مشرفة على مدينة "كارلوفي فاري" فهو مشهد غير معتاد للسياح الذين يزورون المكان فوجوده يحمل  لغزا للسياح وهنا يأتي دور المرشد السياحي ليفسر لهم  ما دفع الناس لتشييد  تمثالا لماعز. فيذكر لهم،  بعد أن تكرر غياب الماعز عن القطيع اكتشف الراعي أن ماعزه يخرج من كهف يتدفق بأعماقه الماء وتم إخبار مختار القرية بذلك إلى ان تم حفر الكهف وجعل الماء متاحا للاستخدام .تحول المكان من قرية إلى مدينة يقصدها السياح لينعموا بحمامات كارل لاستخدام المياه المعدنية ففيها الراحة ،والشفاء أليس هذا الماعز بعبقري ويستحق تمثالا يجسد عبقريته؟
قد تكون القصص مكللة بالنجاح تارة أو بالفشل تارة أخرى تتوالى القصص لتعلمنا أكثر عما خفي عنا في هذا الكون ففي "بقعة أرض مجهولة على هذا الكون" وفي قصة "المغترب الرائد" يعلمنا فتى عن معنى الكرامة التي لن يرضى  أن تذل باي شكل من الأشكال وإنه يفضل أن يبات بجوعه بدلا من الذل للحصول على لقمة العيش، رفضه للذل والهوان دفعه  للهرب إلى المجهول، ودنيا الاغتراب ليتحدى، ويبدأ من الصفر، فقد صارت له مشاريع تجارية ضخمة، وجلب أهله من إخوانه، وأبناء أعمامه ليديروا أعماله  لم تمنعه الصعوبات، ولم تكسره الغربة، فهو أقوى من ذلك فهو  صاحب فكرة "سيلف سيرفس" أي الخدمة الذاتية، لم يهرب ليجد لقمة  العيش فقط، بل  سافر ليوجد الجديد في تاريخ البشرية، ليكون مثالا في الإرادة الجبارة، والعزيمة التي لا تعرف الانكسار، ومثالا آخر نلتمسه في" بطاقة معايدة" نقشت بأسنان فتاة تحدت إعاقتها تعلمت الفن وتقنياته لتتصل بمن حولها عبر الألوان والذوق والحس المرهف إذ تتواصل مع الناس من خلال التي تجلس فيها بطريقة مختلفة ليس بالفيس بوك، ولا تويتر، بل ببطاقة معايدة بثت فيها كل ما لديها لتوصله للناس.
تعود الكاتبة في قصتها قبل الأخيرة لتذكرنا بأن العلم، والمعرفة لا يكتسب في عمر معين فتضرب لنا مثال العجوز في قصة "بداية في الثمانين" التي ترتاد الجامعة لتكمل تعليمها رغم كبر سنها وضعف قوتها ،  فالفضول الذي تمتلكه  لكسب العلم وحب المعرفة ما يدفعها للمتابعة!. وآخر ما ترويه  لنا الأيام في هذه الرواية رغم أن الأيام لا تنتهي قصصها وتجارب من يعيشونها قصة "طبق محشي ملفوف" زيارة الكاتبة للعائلة التي انتسبت لها أمها في أمريكا لتجد ان الخال قد توفي والخالة بهية لم تعد بكامل صحتها.
ننهي هذا الكتاب لنجد أنفسنا قد تغذت بقيم رفيعة تواقة للمعرفة فما نلبث حتى  نعيده على رف المكتبة ليسقط بين يدينا كتاب آخر، ونقرأ ما سطره كاتبه، وهكذا نقضي الحياة برحلات صغيرة  بين أفكار كتاب لم نقابلهم يوما لكننا قابلنا أفكارهم .    
قراءة آسمهان الخاطرية
فائزة بجائزة ساعي البريد للقراءة
 





 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق