الخميس، 26 يناير 2023

تغريبة القافر في القائمة الطويلة

 




تأهلت رواية "تغريبة القافر" للكاتب العُماني زهران القاسمي إلى القائمة الطويلة المرشحة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" بدورتها للعام 2023 التي أَعلنت عنها اليوم، وبحسب تقرير الجائزة فإن "تغريبة القافر" رواية مائية تعيد للراوي وظيفته الأولى وهي ريّ الناس وإشباع ظمئهم، وتدور أحداثها في إحدى القرى العمانية وتحكي قصة أحد مقتفي أثر الماء، تستعين به القرى في بحثها عن منابع المياه الجوفية، وتكون حياة القافر منذ ولادته مرتبطة بالماء، فأمّه ماتت غرقًا، ووالده طمر تحت قناة أحد الأفلاج حيث انهار عليه السقف، ينتهي سجينا في قناة أحد الأفلاج ليبقى هناك يقاوم للبقاء حيًّا. وتعمل الرواية من منطقة جديدة في السرد، هي ذاكرة الأفلاج، كونه نظام فلاحي لريّ البساتين، مرتبط بالحياة القروية في سلطنة عُمان ارتباطا وثيقا حيث دارت حولها الحكايات والأساطير.

 

وإلى جانب رواية القافر، تأهلت للقائمة روايات "مَنَا" للكاتب الجزائري الصديق حاج أحمد و"صندوق الرمل" للكاتبة الليبية عائشة إبراهيم و"الكل يقول أحبك" للكاتبة المصرية مي التلمساني و"ليلة واحدة تكفي" للكاتب الأردني قاسم توفيق، و"حجر السعادة" للكاتب العراقي أزهر جرجيس و"أسمي زيزفون" للكاتبة السورية لينا هويان الحسن، و"بيتنا الكبير" للكاتبة المغربية ربيعة ريحان، و"كونشيرتو قورينا إدواردو" للكاتبة الليبية نجوى بن شتوان، و"أيام الشمس المشرقة" للكاتبة المصرية ميرال الطحاوي و"الأفق الأعلى" للكاتبة السعودية فاطمة عبدالحميد و"عصور دانيال في مدينة" للكاتب أحمد عبداللطيف و"الأنتكخانة" للكاتب المصري ناصر عراق و"بار ليالينا" للكاتب المصري أحمد الفخراني، و"معزوفة الأرنب" للكاتب المغربي محمد الهرادي.

 

وتعالج الروايات المتأهلة قضايا متنوعة، من الهجرة وتجربة المنفى واللجوء إلى العلاقات الإنسانية، وتستكشف عالم الطفولة وتجارب التحول من الطفولة إلى النضج، مُظهرةً من خلال ذلك الاضطرابات السياسية المتشعبة وشتى الصراعات الفردية والجماعية.

 

ضمت لجنة تحكيم القائمة إلى جانب رئيسها الكاتب والروائي المغربي محمد الأشعري وعضوية الكاتبة العمانية الدكتورة عزيزة الطائية والروائية المصرية ريم بسيوني والمترجم السويدي تيتز روك والباحثة والروائية الجزائرية فضيلة الفاروق.

 

وقال محمد الأشعري، رئيس لجنة التحكيم القائمة: "تتميز روايات هذه السنة بحضور واسع للروائيات العربيات وبتنوع كبير في الموضوعات وفي طرائق السرد، ووجدنا عددا من الروايات تنصرف إلى المخزون التراثي والأسطوري وتنسج منه عوالم تعبر بشكل أو آخر عن حياتنا، الممكنة أو المستحيلة، وتعددت أساليب الكتابة، حيث اشتملت على تقنيات التحقيق الصحفي، والتسجيل السينمائي، والحكي التراثي كما توسلت بالسخرية والتأمل واللغة الشعرية".

 


الثلاثاء، 3 يناير 2023

حيث يصبح البشر كتباً ناطقة


 


تُعد المكتبة البشرية في الدنمارك منصة تعليمية اجتماعية فريدة من نوعها، حيث يصبح البشر كتباً ناطقة تروي حكايات من الحياة الواقعية. لا توجد أسئلة ممنوعة، والزمن المسموح هو 30 دقيقة فقط تتيح قراءة هذا الإنسان بكل تعابيره وانفعالاته وكلماته.

تتحدى مكتبة الإنسان الصور النمطية والأحكام المسبقة من خلال الحوار، وتتم إعارة الناس للقراء بدلاً من الكتب التقليدية

يقول مؤسس المكتبة روني أبيرجيل، لموقع Euro News، إن المكتبة البشرية بدأت في إنشاء مساحة "حيث يمكن المشي، واستعارة إنسان والتحدث معه حول موضوع صعب للغاية. من الناحية المثالية، أردنا أن يتحدث الناس عن قضايا لا يتحدثون عنها عادة، أو ربما لا يرغبون في الحديث عنها، لكننا بحاجة إلى التحدث عنها".

و"الكتب" البشرية عبارة عن متطوعين يأتون من خلفيات متنوعة ولديهم تجارب يرغبون في مشاركتها مع قرائهم من البشر 


المصدر: https://arabicpost.net/%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d8%a9/2022/04/14/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%83%d8%aa%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b4%d8%b1%d9%8a%d8%a9/ 


الاثنين، 2 يناير 2023

"رأيتها في أحلامي"

 



تصدر دار نشر "جامعة تكساس" قريبًا ترجمة جديدة باللغة الإنجليزية لرواية الكاتبة العُمانية هدى حمد "التي تعد السلالم" للمترجمين ندين سنو ووليم تاجرت، اللذين اختارا عنوان "رأيتها في أحلامي" للرواية المترجمة.


تتحدث الرواية عن امرأة تدعى "زهيّة"، صارمة وكثيرة التذمر من عاملات المنازل اللواتي لا يستطعن الاستمرار في العمل بسبب صرامتها، ولكن مع مجيء "فانيش" العاملة الجديدة، تنقلبُ بينهما موازين القوة والضعف، والسيطرة والامتثال بسبب امرأة ثالثة تظهرُ في حلم العاملة أولا ثمّ بصورة غرائبية تنتقل المرأة المجهولة إلى أحلام "زهية"، وكانت المرأة المجهولة تُثيرُ رعبهما معا لأنّها راغبة في الانتحار، وهما لا تعرفان على وجه الدقة إن كان ظهورها في حلمهما معا إشارة إلى حدث وقع في الماضي أو إلى حدث سيقعُ في المستقبل.


ويُقربُ الحلم المُشترك بين زهية والعاملة، فتنهار المناعة النفسية بينهما، حيثُ تستدرج قصّة كل واحدة منهما قصّة الأخرى وإلى جوار القصتين، وهنالك أيضا قصّة ثالثة أساسية في هذا العمل الروائي، تتمثل في قصّة زوج زهية الذي يسعى إلى كتابة روايته عن زنجبار وعن أمّه الأفريقية "بي سورا" التي لم يبق منها سوى "الليسو"، فتتجلى لنا عبر هذا العمل اللافت مرحلة مُهمة من تاريخ عُمان في شرق أفريقيا جوار التاريخ الفردي للشخصيات المجاورة ومأزقها النفسي. 

وحول رأيها في تجربة ترجمة روايتها إلى اللغة الإنجليزية قالت الكاتبة العُمانية هدى حمد في تصريح لها: "في الحقيقة لطالما كنتُ أرتعش من فكرة أنّ الأفكار التي كانت تدور في رأسي والحكايات التي كبرت على أوراقي، يمكن لها أن تتمشى في شخصيات مُختلقة وأمزجة مُركبة، ثمّ يتسنى لها أن تعبر حدودي الشخصية ولغتي لتغامر في نسيج لغة مختلفة، تُطالعها أعين تتمتع بإرثٍ ثقافي مُغاير".


وأضافت: "أسمى ما قد تفعله الترجمة هو "تحرير اللغة الموجودة تحت وطأة لغة أخرى"، كما يقول الفيلسوف والتر بينجامين، ولذا فإنّ الترجمة ليست مجرد كلمات وجمل، هنالك ثقافة وعادات وأفكار وتفاصيل صغيرة تمضي قُدما من ثقافة لأخرى، لتصنع تأثيرا في المتلقي المفترض".


ووضحت: "الترجمات البشرية المزودة بدفق الأحاسيس تقوم بدور مهم، وفهم أساسي للعالم المحيط بنا؛ فالترجمة الحقيقية لا تحجب الأصل ولا تُضيع المعنى الأصيل، وهي تماما كما قال ثيربانتس: "الترجمة هي الوجه الآخر للنسيج".


وكتبت دار النشر على ظهر غلاف "رأيتها في أحلامي": "هي رواية قوية تتناول العنف الشخصي والعنف المنهجي، موضوع تمّ استعراضه من خلال عدسة العلاقة بين "زهية" الفنانة العُمانية من الطبقة الوسطى والتي تُعاني من القلق و "فانيش" عاملة المنازل الإثيوبية التي توظفها "زهية" قبل أن يغادر زوجها الروائي في رحلة بحثية إلى زنجبار، وتنتقل الرواية بين وجهات نظر وقصص متعددة ومتداخلة وتستكشف بأمانة - ولكن بدون مغالاة أو استشراق ذاتي - موضوع العلاقة بأفريقيا". 

وظهر أيضا على ظهر الغلاف ما كتبته الأكاديمية غدير زنون: "رواية "رأيتها في أحلامي" نسج جميل لسرد روائي يتناول حلقة من التاريخ العربي الحديث، تُقدم الرواية من خلال قصصها المتشابكة تصويرا للعرب ". 

وقالت ندين سنو، أستاذة مشاركة في برنامج اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة فرجينيا، وسبق لها أن ترجمت رواية "شريد المنازل" لجبور الدويهي، كما ترجمت للروائي رشيد الضعيف: "لقد التزمنا جميعًا بإحياء هذه الرواية بطريقة كانت مُخلصة للنص العربي الأصلي مع الحفاظ على سلاسة التعبير في اللغة الإنجليزية في الوقت نفسه، وتحقيقا لهذه الغاية، تجنبنا التدجين اللغوي، بالإضافة إلى تجنب التكلف الذي قد ينتج عن الترجمة الحرفية".


وأضافت: "سعينا إلى تحقيق التوازن في المسائل النحوية والمعجمية، وقررنا الاحتفاظ ببعض مصطلحات اللغة العربية ذات الأهمية الثقافية أو التي كشفت عن معلومات مهمة حول خلفية الشخصيات وفي بعض الأحيان قمنا بتضمين معنى الكلمات العربية في النص نفسه، وبالتالي جعلنا النص ثنائي اللغة من خلال التزاوج بين العربية والإنجليزية".


وأكدت بقولها: " قراء الرواية سيستمتعون بقراءة بعض الكلمات باللغة العربية لأن هذا قد يمنحهم فرصة لتخيل كيف يمكن أن تُنطق الكلمات من قبل الشخصيات في الرواية وتشكيل فكرة عن مميزات اللغة العربية الفصحى الحديثة واللهجة العُمانية".


وتابعت سنو قائلة: " نتفق مع جون تشياردي في أن "الترجمة هي فن الفشل"، وأنه في النهاية لا يوجد بديل حقيقي لقراءة واختبار أي نص بلغته الأصلية، ونقدم ترجمتنا بكل تواضع لأولئك الذين قد لا يكونون قادرين على قراءة اللغة العربية، ولكنهم يشعرون بالفضول لقراءة رواية عربية".


وكانت رواية هدى حمد "التي تعد السلالم" صدرت عن دار الآداب في عام ٢٠١٤ ضمن مشروع محترف لنجوى بركات لكتابة الرواية، كما صدر لها العديد من المجموعات القصصية والروائية آخرها رواية "لا يذكرون في مجاز" الصادرة أيضًا عن دار الآداب في عام ٢٠٢٢م.


الجدير بالذكر أنّ روايتها "التي تعد السلالم"، تُرجمت من قبل إلى اللغة الفارسية بواسطة المترجمة الإيرانية معاني شعباني وصدرت عن دار ثالث، كما تُرجمت روايتها "سندرلات مسقط" إلى اللغة الفارسية أيضا.

 

المصدر جريدة عمان بتاريخ 26 ديسمبر 2022


الخميس، 11 أغسطس 2022

أمي وردة العالم

 




المصنعة ـ من خليفة بن عبدالله الفارسي:

نظمت شبكة المصنعة الثقافية بالتعاون مع مصنعتنا أمسية ثقافية بعنوان قراءة في رواية (أمي كولجهان) للكاتبة والروائية العمانية غنية الشبيبية، شارك فيها الأستاذ الدكتور حمود الدغيشي بقراءة عميقة للرواية وأدارتها الكاتبة ميمونة البلوشية. بدأت الأمسية بتحية الحضور ثم التعريف بالمشاركين، كما قدمت الكاتبة غنية الشبيبية نبذة مختصرة حول عوالم الرواية. تلاها قراءة الأستاذ الدكتور حمود الدغيشي، الذي تطرق إلى العديد من الرؤى وطرح الأسئلة.
وقال الدغيشي عن سيميائية العنوان: يذهب الغذّامي إلى أنَّ العُنوانَ أوّلُ لقاءٍ بين القارئ والنّصّ. وكانَّه نقطة الافتراق، حيثُ صار هو آخِرَ أعمال الكاتب وأوّل أعمال القارئ. والعلاقةُ بين النّصّ والعُنوان علاقةٌ جدليّة، إذْ بدون النّصّ يكونُ العُنوانُ وحده عاجزًا عن تكوين مُحيطِه الدِّلاليّ، وبِدُون العُنوان يكونُ النَّصُّ باستمرار عُرضةً للذَّوَبانِ في نُصُوصٍ أخرى. يبدو مِن عنوان الرواية، لِمَنْ لا يُدرِك النّسق الثقافي للمجتمع العُماني، أنَّ مفردة الأُمّ هنا مع ضميرها تَشِي بالأُمّ في تجلِّيها البيولوجي، لكنّ الحقيقةَ أنَّ البدلَ (كولجهان) أزاحَ هذه الدلالة؛ إذ إنَّ حُضورَ الاسمِ دلَّ على نسقٍ ثقافيّ مُتواطِئٍ عليه المجتمع، بمناداة المرأةِ كبيرة السنّ، لا سيما إنْ كانت الجَدَّة، وهذا يدلّ على واحدةٍ من أدبيات المجتمع، وقِيَمِه. الأمر الثاني الاسمُ نفسه (كولجهان) وهو اسم (بلوشي) ويعني (وردة الدّنيا)، والبلوش طائفة كبيرة تسكن عُمان، وهو ما يدلّ هنا على التعايش الجميل، والتمازج الثقافيّ بين إنسان الوطن الواحد لا سيما في مناطق الساحل العُماني، ومدى التعالق بين الطرفين. فـ (كولجهان) في الرّواية أطلقَتْها (رَضِيَّة) العربيّة العُمانيّة على ابنتِها؛ وفاءً لذِكرى صديقتِها (كولجهان) البُلوشِيّة التي تَقْطُنُ في الحارةِ نفسِها (الحويرة)، ومفارقةُ الدِّلالةِ في كَوْنِ الاسمِ لا ينتمي إلى المكان العربيّ، أو كما قالت الجَدَّةُ: (الاسم ليس مِن أسمائنا، ولم يكُن أحدٌ راضِيًا عنه من الأساس .. وأخيرًا جاء مَن سيُزِيحُ عنَّا هَمَّ هذا الاسمِ الأعجميّ).
هو أنَّ (كولجهان) ظلَّت مُتَشَبِّثَةً بالمكان، لا تُفارِقُ وطنَها، كما فعلتْ (كولجهان) الحقيقيّة، حينَ أُجْبِرت على مفارقةِ أطفالِها، وآثرَت أنْ تموتَ في وطنِها (الحويرة). و(كولجهان) هذه تظهر على صفحة الغلاف، وهي تَتَّشِحُ بِثَوبِها البُلوشيّ الفضفاض، المُزَرْكَشِ بألوان الحياة، تُدِيرُ ظهرَها تُجاهَ الغِياب، دُون حاجةٍ إلى أنْ تُفَتِّشَ عنْ وَجْهِ (كولجهان)، عليكَ فقطَ أنْ تَتَخَيَّلَ كيفَ يبدُو وَجْهُ الإنسان حِينَ تُمَزِّقُه الكآبَةُ، وتَمْتَصُّ مِن رحيقِه النِّهايات، نِهاياتُ الحُبِّ. (كولجهان) الحقيقيّةُ تَمُوتُ في أحضان (الحويرة) بعد أنْ اغْتُصِب منها أطفالُها، و(كولجهان) بطلة الرّواية، تموتُ هي الأخرى في أحضان (الحويرة) بعد أنْ هجرَها ابنُها إلى خارج الوطن، كلاهُما ذوى جسدُهما من الحُبّ، وماتا ودُفِنا في وطنِ الحُبّ. وقبل الختام فتح باب الاسئلة والمناقشة، حيث شهدت الامسية تفاعلاً كبيرًا من قبل الحضور.

 

المصدر: جريدة الوطن بتاريخ 11 أغسطس 2022

الخميس، 14 أبريل 2022

أيها الموت لم اختطفت الأجمل والأنقى؟

 

في رحيل عبد العزيز الفارسي 

 



بقلم سماء عيسى- شاعر وناقد سينمائي عماني

 

 


لن تجد الاشجار من يتحدث اليها بصمت، ومن يعشق تآلفها الجميل مع الكون.

لن تجد الطفولة من هو طفل في البكاء والضحك واللعب وحصص الدرس، يصادفك في الطريق رجل المحبة وصدق المشاعر فتبكي معه وتضحك ثم ترحل معه دون عودة إلى البحر.

لن يأخذك الحنين ثانية إلى الطرقات المهجورة وإلى الصمت وإلى بكاء الامهات وإلى دموع المشردين وإلى شباك الصيادين الفارغة الممزقة من الحنين.

لن تأخذك غير الوحدة، لن ينام معك غير الرماد، لن يبكي معك حزنا وفجائعية غير البحر أنت الذي تصمت لتبكي، تتحدث لكي تصمت العصافير شوقا، تنظر بعينيك الحزينتين إلى الشمس لتقول لنا الوداع.

من القادر فينا على وداع النبلاء، من القادر على حفظ خطواتهم في الصحراء، من الذي سوف يتبع طرق القلب إلى الحب وطرق النهار إلى الليل، وطرق الليل إلى أكواخ الصيادين ساعات الفجر الاولى.

ظلت الحمامة تنوح باكية شجرة الغياب، واختبأ الدمع الذي جففته انهار الموت بعد أن غرس انيابه في حواري الدهشة الأولى.

أنا قريب منك وبعيد منك في آن، قريب من أجمل القبلات وأعذبها، قبلتك الأخيرة على جبيني، قبلتك الحانية التي تنبؤ بالرحيل وبالغياب. بعيد عنك لأنك في الموت الذي تحدث إلينا ليس عنك، وعندما رحلنا عائدين إلى منازلنا ابتسم في دهاء واختطف أجمل ما فينا، عندما غدر بالطفولة وبحواري البراءة الاولى وبشباك الصيادين الممزقة وبحكايا الامهات، واختطف في صمت نبل حضورك معنا.

هذا الثراء المدهش في الحضور، المدهش في الغياب، المدهش في الصمت، هذا الحنين الباذخ إلى تراب الارض، هذا النقاء الصوفي الذي ظل يرنو علينا دون أن يتحدث، بعينين دامعتين وبقلب يعلن البذخ في الحب والبذخ في كسر العتمة والبذخ في سطوع شمس النهار.

هل لذلك جاءت مرارة رحيلك لتعلن لنا وقف جريان الماء في العطش، وقف زحف البغضاء في الروح، وقف اندثار الإنسان في الكون، بعد أن لوث الإنسان الكون بالمعصية وزرع به شجر الخراب ونبتة المرارة وعقوق الأبناء إلى قراهم البعيدة في سواحل البحر.

لكنك في هذا الغياب وردتنا الاولى، في هذا الغياب أنت الشجن والحزن، دمع الأطفال وبكاء الامهات، وحنين القوارب إلى العودة، فقط لتلقاك وتبتسم لك تلك النضارة الاولى برؤية الحياة في ابتسامتها، ولو لمرة أخيرة فقط قبل فاجعة رحيلك، الرحيل الذي لم نعرف رحيلا مباغتا مثله، انقض ليرحل بأجمل ما نحمل، وبأكثر أبنائنا حزنا وصمتا.

هذا الحديث المولع بالشقاء الطفولي العذب، هذا البكاء الدائم، هذه الرياح البحرية التي تأتي لتغيب، تصمت لكي تهدأ ثم لتزحف ثانية لتخطف ما أتت به من الحب والجمال الروحي الأخاذ، ذلك الجمال المرسوم في الحكايا وأنت تسردها لنا كما تسرد الامهات حكايا الأطفال قبيل النوم. فجأة باغت الموت هذا السارد العُماني الجميل الأخاذ، سارد حكايا القرى وعذاب الفقراء وندم الصيادين، سارد زحف التشوه إلى الروح، السارد الذي تحدث إلينا باكرا وكان استماعنا  إليه متأخرا، ثم عندما عدنا لنلقاه، باغتنا بفاجعة رحيله، إلى أين هذا الرحيل المباغت يا ابن الشمس التي تشرق وتغيب في السواحل بصمت، كما الموج البحري الذي انتبه أخيرا لرحيل عاشقه الذي لن يبصر النور ثانية في الطفولة وعذوبتها، تفضي الحكايا إلى الخسائر دوما كما تفضي الينابيع إلى الجفاف، ثم يأتي من يتحدث عن غياب الحكاء، لا لكي نخبره عن الموت، بل لنقول له غدا يعود الطفل إلى  السرد الموجع، وتعود الحمامة إلى النواح على الايك، وتعود أكواخ الفقراء فجرا تفتح أبوابها  لموج البحر، وقد زحف إلينا، ليعلن بداية موسم صيد لا نهاية لها، ومع كل بداية هناك نهاية، غير نهايتك أنت  أيها السارد الصوفي الذي تجولت بين أعماقنا طويلا، ثم صمت، وانتظرنا مع صمتك أن تعود كما تعود أمواج البحر الهادئة إلى الشواطئ المهجورة بالقرى الساحلية التي نزحت منها، التي عدت إليها، ليتوارى معك دفء الحكايا، بعد هذا الرحيل الذي باغتنا، حقا تتوارى موجة دافئة في حنو عطائها علينا.

 


الأربعاء، 16 فبراير 2022

فاطمة اليمانية تعالج قضايا المرأة في "قهوة"





الرؤية- ريم الحامدية

صدر عن مكتبة بذور التميز للطباعة والنشر، مجموعة قصصية للكاتبة فاطمة اليمانية بعنوان "قهوة"، والتي تشتمل على مجموعة من القصص تجسد الواقع الذي تعيشه المرأة.

وتقول الكاتبة عن هذا العمل إن "الواقع المليء بالتناقض، والحب والكراهية، و الأمل واليأس، والفرح والحزن"، واستهلت اليمانية مقدمة الكتاب باقتباس لواسيني الأعرج: "لا أحتاج شيئا خارقا، فقط قهوة معك: لأقول لك الرماد الذي في داخلي".

وتوضح الكاتبة أنها ألفت هذه المجموعة القصصية مرتكزة على "طبيعة المرأة معقدة، وعاطفتها جياشة مما يجعلها تتصور الأمور بطريقة مختلفة". وسعت اليمانية في الكتاب إلى اكتشاف أحاسيس ومشاعر متناقضة كثيرة يتم التغافل عنها، فكتبت عن الزوجة الهاربة من واقعها بالأحلام، وتلك التي أعلنت التمرد على القالب الذي وضعه زوجها فيه، وعن الغيرة والشك والتعدد، وعن العنوسة وتأثيرها على بعض النساء في المجتمع، وعن معاناة المرأة المطلقة، خاصة إذا كان لديها أطفال، والمقارنة بين الوضع المادي للأفراد في نفس الأسرة وما يسببه ذلك من حساسية مفرطة تؤذي الأبناء. وابتعدت الكاتبة في مجموعتها القصصية عن تصوير الرجل في صورة الخصم؛ معتبرة أن "الكتابة رسالة"، وأن "تعمد تشويه الطرف الآخر يفقد العمل الأدبي قيمه وأخلاقياته وجماله".


الخميس، 3 فبراير 2022

الوهيبي "وحيداَ بين مدينتين"

المصدر: جريدة عمان بتاريخ 3/2/2022

 





تتشكل تجربة الكاتب بدر الوهيبي مع الكتابة من خلال علاقته الوطيدة بالسفر وجمالياته المتعددة، وتعرفه على ثقافة الغير مرورا بعادات وتقاليد الشعوب وما تتفرد به من خصائص إنسانية واجتماعية متنوعة. وفي شأن السفر ومقتضياته، صدر للوهيبي عن مكتبة كنوز المعرفة أخيرًا كتابه الجديد /وحيدًا بين مدينتين، رحلة في زمن كورونا/ في ١٧٠ صفحة. يتحدث الكتاب الذي يأتي عموما في أدب الرحلات، عن تجربة رحلة بدر الوهيبي إلى مدينتين في تجربة يخوضها لأول مرة يسافر فيها وحيدًا، كما يسلط الكاتب الضوء على جائحة كورونا من منظور سياحي حيث كانت رحلته في ذروة تعقيدات السفر بسبب الإجراءات المفروضة من قبل دول العالم في مواجهة تفشي "كوفيد١٩"، فجاء الكتاب ليوثق هذه المرحلة المهمة من حيث تأثيرها على قطاع السفر بشكل خاص. ويقول الكاتب عن فكرة هذا الكتاب: "لم تكن رحلتي إلى البوسنة وتركيا لغرض تدوين كتاب، ولكن بعد عودتي بفترة قصيرة وجدت أنه من المناسب الكتابة عن السفر الانفرادي الذي كان عنوان تلك الرحلة، فوجدتها فرصة للحديث عن هذا النمط من الأسفار بإيجابياته وسلبياته، ولأن الكتاب يختلف عن كتابي الأول "تذاكر سفر" وكتابي المشترك الآخر "اربطوا الأحزمة"؛ فجاء كتاب "وحيدًا بين مدينتين" ليكون بشكل مختلف أحكي فيه مشاعري وتأملاتي وقصصي التي أعايشها في هذا السفر بطريقة تشبه السرد الروائي لوقائع وأحداث الرحلة التي جاءت في قالب متسلسل". ويضيف: "أما الفكرة الثانية التي جاء بها الكتاب فهي توثيق جائحة كورونا من زاوية عايشتها في رحلتي تلك، حيث تسببت قيود الدول للحد من انتشار الفيروس بإلغاء عدد من الرحلات، وساهمت في تغيير خطة الرحلة لأكثر من مرة، والمواقف التي رافقتني بسبب الجائحة التي أثرت بالفعل في مجريات رحلتي، فأدركت أنه من الضروري أن أقوم بتوثيق هذه المرحلة لتكون مرجعًا في أدب الرحلات مستقبلًا عن مدى التأثير الذي طال قطاع السفر والسياحة والترحال". وفي شأن تجربته مع أدب الرحلات وأهميتها في مشواره مع الكتابة يوضح الكاتب بدر الوهيبي: "عشقي لمجال السفر أدى إلى اهتمامي بالقراءة في أدب الرحلات، ما جعلني أقتني كل إصدار متوفر في هذا المجال تقريبًا، ومع كثرة الرحلات والأسفار وجدت نفسي شغوفًا بتوثيق بعض المحطات والمواقف لهذه الرحلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت فرصة للحصول على آراء الأصدقاء حول ما أنشر من تجارب، انطلقت في تأليف كتابي الأول "تذاكر سفر" بعد تشجيع من بعض الأصدقاء لتدوين تجاربي في السفر، وتمكنت من توثيق بعض رحلاتي مستخدمًا الأسلوب الوصفي، والسرد السلس لكل تجربة منذ بداية فكرة الرحلة وحتى نهايته. ويضيف: "رغم التردد الذي أحاط مشاعري قبيل الدفع بالإصدار الأول إلى القراء؛ إلا أن ردود الفعل من قبل الأصدقاء والمهتمين بالسفر كانت مفاجئة على الصعيد الشخصي، فلم أكن أتوقع ذلك الإقبال على الكتاب، وأصبح الكتاب ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعًا بعد شهر من إصداره وذلك في منصة "نيل وفرات" المتخصصة في بيع الكتب العربية عبر الإنترنت". ويطلعنا الوهيبي على تجربته من الناحية العملية والثقافية في رصيد الإنسان على وجه العموم، وفي رصيده الشخصي على وجه الخصوص ويفيد: "أجد أن الكتابة في أدب الرحلات تكتسب أهمية كبيرة على مدى التاريخ، فهو إضافة إلى كونه أدبا أصيلا بذاته كونه يحكي رحلات وأسفار ويخبر عن أحوال الشعوب وثقافات البلدان؛ فإنه كذلك يقوم بدور تأريخي في رصد الأمم ووصف معالم الجغرافيا ونقل الأحداث التاريخية للأجيال اللاحقة، فنجد أن الكثير من الدول تستشهد بما نقله الرحالة العربي الشهير -ابن بطوطة- في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" ليكون مرجعًا لكثير من الدول للاستشهاد حول تاريخها وثقافتها وحضارة الشعوب التي زارها، وعلى الصعيد الشخصي فإن تجربتي في توثيق رحلاتي جاءت مختلفة في كل إصدار من الكتب التي ألفتها؛ فالكتاب الأول "تذاكر سفر" جاء موثقًا لرحلاتي وناقلًا لمشاهداتي إلى عدد من الدول بمختلف مواقفها". ويضيف: "أما الكتاب الثاني الذي اشتركت فيه مع الدكتور معتصم السالمي فهو يتسم بدمج الأسلوبين العلمي والأدبي معًا، فيما الكتاب الذي صدر مؤخرًا "وحيدًا بين مدينتين" فإنه يناقش موضوع السفر الانفرادي كأسلوب سفر مستقل، وأيضا يوثق مرحلة نعايشها الآن وهي جائحة كورونا من زاوية تهم محبي السفر وهواة الترحال، لتكون مرجعًا يؤرخ هذه المرحلة للأجيال القادمة". ويقول: "كل تجربة أسهمت في تنمية أفكاري وتطوير أسلوب الكتابة، ولا زلت أتعلم ممن سبقني في هذا المجال، فهناك أسماء لامعة في عالم أدب الرحلة سواء على الصعيد المحلي أم الإقليمي، والقارئ يعتبر المقياس الحقيقي في معرفة نتائج الأعمال التي نقدمها". ويقربنا بدر الوهيبي من ماهية كتابيّ "تذاكر سفر" و "اربطوا الأحزمة" ومدى مساهمتهما في توثيق تجربته مع الكتابة في أدب الرحلات وهنا يستند إلى قول الصحفي العماني "خلفان الزيدي": "في "تذاكر سفر" سنقرأ عن الأمكنة التي حط الكاتب رحاله فيها عبر سنوات متباعدة من حياته، وسنتعرف ‏على تاريخ هذه الأماكن، وعلى عادات وتقاليد شعوبها ومجتمعاتها وفنونهم، ومأكولاتهم، ونعايش تفاصيل ‏الحياة فيها، وسيجد القارئ نفسه أمام برنامج رحلة متكامل يساعده على "التخطيط" لرحلة مشابهة، واختيار ‏خط السير المناسب بين الأمكنة المحيطة، فهنا الكاتب دليل إرشادي، لم يترك شاردة ولا واردة إلا أتى على ‏ذكرها، وبيان تفصيلها". ‏ ويوضح الوهيبي: "كتاب تذاكر سفر يسرد رحلاتي إلى خمس عشرة وجهة عبر ثماني تذاكر أو فصول، من خلال قالب متسلسل يبدأ من قبل انطلاق الرحلة حتى العودة إلى أرض الوطن، وفي كل تذكرة هناك مخطط للرحلة يسترشد بها القارئ خريطة المكان، ومع نهاية كل فصل ثمة بعض النصائح أو الإرشادات التي استخلصتها من تلك الرحلة". أما كتاب "اربطوا الأحزمة" فهو يذكر عشرين مؤشرا يقيس مستوى رضا المسافرين عند اختيار وجهاتهم، وهي مؤشرات مبنية على أسس علمية قمت بنشرها بالاشتراك مع معتصم السالمي للقراء قبل أن نسرد تجاربنا في السفر تحت كل مؤشر بطريقة أدبية". أما المؤشرات التي ذكرها الكتاب فهي: التميز، والشكل، وكسر الروتين، والتنوع، والفترة الزمنية، والتوازن، والصوت، والبنية التحتية، والموسم، والثقافة، والديانة، والسمعة، والوقت، والمناخ، والمسافة، والأنظمة والقوانين، والأمن والأمان، والترتيبات، والتكلفة، والخدمة. ويشير الكاتب بدر الوهيبي إلى أن من خلال كتاب "اربطوا الأحزمة" استطاع توثيق تجارب مختلفة من أسفاره لم تكن متضمنة في الكتاب الأول، مما ساهم في تعريف القارئ بالمؤشرات عبر تجارب مختلفة قمت بها في السنوات الماضية؛ وقال إن: "توثيق التجارب في هذا الكتاب جاء بشكل موجز ويسلط الضوء على المواقف والمشاهد التي تتعلق بالمؤشرات المذكورة حصرًا دون ذكر لتفاصيل كل الرحلات".